نشهد الليلة حدثاً استثنائياً في تاريخ التسامح والانفتاح بين الأديان، فخلال الألفي عام الماضية منذ نشأة الكنيسة الكاثوليكية لم نشهد من قبل مثل هذه الزيارة التاريخية إلى شبه الجزيرة العربية.
وهذه اللحظة استثنائية بكل ما تحمله الكلمة من معنى وستظل خالدة في ذاكرة الأخوة الكاثوليك في دولة الإمارات البالغ عددهم مليون نسمة وجميع إخوتنا في منطقة الشرق الأوسط وكافة أنحاء العالم، بدايةً من الأردن وسوريا ولبنان وفلسطين والعراق مصر مروراً بالدول الآسيوية وصولاً إلى دول أوروبا وأفريقيا والأميركتين. لقد انتظرنا هذا اللحظة الفارقة طويلاً، منذ أن تم الإعلان عن هذه الزيارة قبل شهرين تقريباً. وإنه لمن دواعي سروري وفخري أن أرحب بقداستكم وأشكركم على حضوركم معنا اليوم!
وأتوجّه بعبارات الشكر والامتنان إلى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آلِ نهيان، ولي عهد ابوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الإمارات العربية المتحدة، الذي لعب دوراً ريادياً في تحقيق هذه الزيارة التاريخية إلى العاصمة أبوظبي كما أرفع إلى سموه أسمى آيات الشكر والتقدير على مساهمته السخية في توفير كافة أشكال الدعم لتحقيق هذه اللحظة العظيمة وتسهيل كل ما يلزم لاستكمال هذه الزيارة التاريخية بسلاسة تامة. وإننا نلمس ذلك في كل جانب من جوانب استضافة قداسة البابا، إذ لم تدخر الحكومات والهيئات المحلية وسعاً في تقديم الدعم والمساندة ونشر روح الاحترام.
وفي هذه الأمسية البارزة، أشعر بفخر كبير لاسيّما عندما نعود إلى الوراء ونقف على البدايات المتواضعة للكنيسة الكاثوليكية في دولة الإمارات، وتحديداً في إمارة أبوظبي التي شهدت بناء أول كنيسة كاثوليكية في عام 1965، واليوم توجد 9 كنائس في دولة الإمارات، بما فيها واحدة من كبرى الأبرشيات الكنسية عالمياً.
وإنني فخور بمهمتي كنائب رسولي في منطقة جنوب شبه الجزيرة العربية التي تضم كلاً من دولة الإمارات وسلطنة عُمان واليمن، كما أسعد بدوري كمطران في خدمة الأخوة الكاثوليك بدولة الإمارات التي تتولّى زمامها قيادة رشيدة تنتهج رؤية قائمة على التسامح والتعايش والمحبة؛ خاصةً وأن عالمنا اليوم يشهد انقسامات وصراعات متزايدة تثير بدورها الجدل والخلافات، بينما تستمر فجوة الفقر في الاتساع. فأكثر من ثلث سكان العالم إما مشردين بفعل الحروب والكوارث أو تطحنهم أزمة الهجرة التي احتدمت ضراوتها وشدتها. ولا شك أن زيارة قداسة البابا إلى دولة الإمارات، التي يعيش تحت سمائها أكثر من 200 جنسية مختلفة في مجتمع متحاب ومتسامح، ستترك صدىً واسعاً خلال السنوات القادمة.
وتشكل زيارة قداسة البابا فرنسيس تتويجاً لجهوده في ترسيخ قيم ومبادئ التسامح بوصفه أحد أبرز الداعمين لنشر رسالة السلام في جميع أنحاء العالم، ولم تدخر دولة الإمارات وسعاً على مدار تاريخها في الحفاظ على هذه القيم وغرسها في قلوب أفراد مجتمعها المتسامح الذي تعلو فيها قيم التكافل والانفتاح بين الأمم والشعوب. ونأمل أن يثمر لقاء "الإخوة الإنسانية" الذين سيجمع بين قداستكم وفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وغيره من الشخصيات الدينية البارزة بنتائج مثمرة تعود على كافة البشرية بالنفع والخير. وندعو الله أن يشكل هذه الاجتماع منحىً فارقاً في تاريخ الإخوة بين المسيحين والمسلمين وأن يكون منطلقاً جديداً نحو آفاق رحبة ترحب بالأفكار المختلفة من جميع أنحاء العالم وخاصةً بما يكفل الحرية الدينية وقبول معتقدات الآخرين!
وإننا نواصل العمل وفقاً لرؤيتكم الرشيدة قداسة البابا فرنسيس وندعو الله أن يسدد خطاكم ويوفقكم في مسيرتكم نحو نشر السلام في جميع أنحاء العالم.
المطران بول هيندر
النائب الرسولي في جنوب شبه الجزيرة العربية (الإمارات وسلطنة عُمان واليمن)